عنوان: المنصف بن مراد في رسالـة الى راشد الغنوشي: راجــــع نـــــفـــســـــك!
حلقة الوصل : المنصف بن مراد في رسالـة الى راشد الغنوشي: راجــــع نـــــفـــســـــك!
المنصف بن مراد في رسالـة الى راشد الغنوشي: راجــــع نـــــفـــســـــك!
كتبت في الماضي أنّي لا أتّفق مع كلّ الحركات العقائديّة التي تكبّل الشّعوب جاعلة من الدين المحرك الأساسي للتاريخ، في حين هناك «محرّكات» أخرى مثل المعرفة والعلوم والاقتصاد والفعل الثّقافي وإشاعة الحريات والمساواة وتوسيع رقعة حقوق المرأة.. ولن نذيع سرّا إذا قلنا انه ليس للحركة «الاسلامية» سوى مشروع أساسي ألا وهو أسلمة الشّعوب..
انّ الشّعوب في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا والصّين واليابان وكوريا الجنوبية على سبيل المثال تتطوّر في حين يوظّف الدين من قبل رجال السياسة والعقيدة في العالم العربي والاسلامي، ممّا خلّف كوارث مثل تدمير المدن وانتشار الارهاب والفساد ومحاولات لمحو الذاكرة وفرض برامج تعليمية تؤدّي الى الحدّ من حرية الفكر وتعميم الطاعة «للحاكم المؤمن» ومئات الآلاف من القتلى.. كل هذه التوجهات الرجعيّة أصبحت «حقائق» وبرامج سياسية، وفي هذا السياق يمكن ذكر ابن تيمية الذي نبذ الفلسفة وكفّر الفلاسفة وخيّر النقل على العقل ورمى بالإلحاد كلّ من يختلف مع نظريّته.. ثم هناك المودودي الذي أسس للعنف ضد حرية الرأي وحرية الفكر معتبرا ان تطبيق الاسلام (الذي يفهمه) في الحياة اليومية هو الحل، كما انّ على الأحزاب الاسلامية ان تقود الشّعوب العربية والاسلامية حتى يقع احياء الخلافة الاسلامية وفرض عقيدة تلتجئ للعنف وتطبيق الشريعة وتكفير الآخرين.. وهل ننسى حسن البنّا الذي رفض «الإرث الغربي» معتبرا انّ العقيدة شمولية، وكان أبرز مؤسس للحركة «الاسلامية» الحديثة عنما رأى انّ دور الحركة يتمثّل في تأسيس دولة اسلامية تعمل بأحكام الاسلام.. ونتدرّج لنصل الى القرضاوي الذي سخّرته قناة الجزيرة لتدمير سوريا وليبيا، وهذه جريمة في منتهى البشاعة والشّناعة، علما انّ القرضاوي كرّس العقيدة الدموية في خدمة مصالح «السلطان»..
ثم ماذا شاهدنا؟ شاهدنا عددا من الشعوب العربية التي باتت مغلوبة على أمرها تتمرّد على حكوماتها وذلك بمساعدة وتوجيهات من الولايات المتحدة الأمريكية وقطر والحركة الاسلامية العالمية وحكومة أوردوغان بمباركة اسرائيلية، ممّا خلّف دمارا شاملا وقتلا للملايين، وكل ذلك لفائدة تنظيمات عقائدية منها الفردي ومنها ما هو جماعي منضو تحت راية داعش أو القاعدة.
أمّا في تونس فالأمر يختلف نسبيا لأسباب متعددة، أولها انّ بلادنا لها 3000 سنة من التاريخ نحته نساء ورجال عمالقة وغزوات أجنبية لا تحصى وأصول أمازيغية واسلام وسطي رافض لكلّ اشكال التشدّد لأنّ مجتمعنا المعتدل و«علماءه» كانا ـ دائما ـ منارة تدعو الى التقوى وتحثّ على المعرفة ولا علاقة لها اطلاقا بالتطرّف وقطع الرؤوس وتكفير المبدعين.. كانوا يفضّلون الاقناع على الترهيب ويكفي ان نذكر في هذا الصدد بأنّ أهمّ المشايخ التونسيين هم خاصّة من تونس العاصمة والمهدية وباجة وسوسة وصفاقس والكاف والقيروان وطبلبة وباردو حتى ندرك انّ الاسلام الزيتوني لا صلة له بالمرة بالقتل بل كان ـ دائما ـ اسلاما «وطنيا» معتدلا ويحترم أيضا حقوق المرأة.. فاسلام تونس لاعلاقة له بالسلفية ولا بقندهار ولا «بدين» الدوحة ولا بالقرضاوي ولا بحركة الاخون!
واليوم أين يتموقع الاسلام السياسي التونسي؟ هل قطع نهائيا مع الحركة «الاسلامية» العالمية حتى يصبح مثالا يحتذى به في احترام كل الحريات والدعوة الى الفصل بين الدولة والدين؟ وهل تخلى نهائيا عن هدفه الاستراتيجي وهو أسلمة شعب مسلم والتحكم فيه؟ وهل يفضّل الاقناع على الاحكام بالسجن ضد اصحاب الرأي الحر والمبدعين ويعتبر انّ المعرفة لا تقلّ قيمة عن العقيدة وانّ للثّقافة والتعليم دورا أساسيا في تحرير العقول وتنمية المجتمع؟ كما انّ للحريات وحقوق المرأة الأولوية المطلقة في برنامجه وكل ذلك دون التنكّر للهوية؟ هل انّ جوهر الاسلام في الاهتمام «باللحية» وطول الفستان ومحاربة المبدعين والمجتهدين أم انّ جوهر الاسلام في الحثّ على فعل الخير وتطوير العلوم والمعرفة ودعم الثّقافة وشجب العنف والترهيب، ولقد استمعنا الى أحد المتشدّدين وهو يطالب بصلب المتظاهرين وسحل المعارضين الناقدين بشدّة لشرعيّته؟ الى يومنا هذا لم نطلع على مساع لتطوير جدي للفكر الاسلامي وتوفيقه مع الحداثة وحقوق الانسان والحق في الاجتهاد وكأنه في قطيعة مع المعلوم.. وحتى تصبح حركة النهضة حركة تونسية عليها ان تجدّد ـ بكلّ صدق ـ فكرها وبرامجها وعلاقاتها غير المقبولة بقطر وتركيا والمنظمة الدولية للاخوان المسلمين، وتعتبر انّ مساندها الرسمي هو جزء من الشعب التونسي حتى لا ترتبك عندما يتغيّر النظام في مصر ويقع تهديده في تركيا وتقطع بعض الحكومات العربيّة علاقاتها مع قطر التي اعتبرتها السعودية ومصر والإمارات راعية للارهاب..
انّ الخطاب المتشدد لبعض القيادات النهضوية والذي يتقاطع ـ نسبيا ـ مع الهذيان الخطير للمنصف المرزوقي هو اكبر خطر على الحزب وعلى تونس أيضا.. فإمّا ان تطوّر النهضة نفسها والاّ اندثرت بعد سنوات أو عقود مثلما اندثرت الديناصورات التي لم تقدر على التأقلم مع محيطها الطبيعي.. انّي أتوجه الى بعض الحمائم داخل النهضة لأطالبهم بمراجعة تحاليلهم وفتح حوار تاريخي جدي مع المثقفين التونسيين ولن أعير اي اهتمام للصّقور المصطفين وراء دولة قطر والقرضاوي واصدقائهما..
وانّي اذكر قارئاتنا وقراءنا الكرام بأنّي رفضت اعلانات شركة «أوريدو» القطرية بعد ان شتم أمير قطر الأسبق رئيس الجمهورية التونسية الأسبق فكان ان عرفت «أخبار الجمهورية» نقصا في مداخيلها لمدة ثلاث سنوات في حين مازال البعض يتسوّلون حتى ينتفعوا بالدولارات القطرية والسّفرات الترفيهية المربحة!
كلمة أخيرة: أسأل من الله الرحمة لخليفة السلطاني الذي سقط غدرا على أيدي الارهابيين.. أنت شهيد ولسنا ندري لماذا لم تتمّ حمايتك والاهتمام بعائلتك والحال أنّ مخازن الفاسدين وبعض السياسيين مملوءة بكنوز الدنيا…
المصدر: الجمهورية
وهكذا المادة المنصف بن مراد في رسالـة الى راشد الغنوشي: راجــــع نـــــفـــســـــك!
كنت تقرأ الآن المقال المنصف بن مراد في رسالـة الى راشد الغنوشي: راجــــع نـــــفـــســـــك! عنوان الرابط https://news--com.blogspot.com/2017/06/blog-post_605.html
0 Response to "المنصف بن مراد في رسالـة الى راشد الغنوشي: راجــــع نـــــفـــســـــك!"
إرسال تعليق